إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 18 أكتوبر 2020

العقل الباطن والذكريات الدفينة

 الأحد 2020/10/18  تدوينات جائحة كورونا 

يشهد اليوم عودة المدارس بمعظم قوتها بعد فترة غياب ليست هينة بسبب أزمة كورونا وعلامات المدراس أهمها هى الزحام الشديد على كل وسائل النقل والمحطات المتكدسة بالركاب والطلاب بملابسهم الرسمية والعبوس الذى لا يفارق وجوه طلاب المرحلة الأولى ، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ربما هو الخوف من المصير المجهول أو عالم المدارس الموازى الذى لا يرحم أحدًا ، من مدرس غير رحيم ، أو طالب متعمد الأذى ، فذكريات مثل تلك لن تفارق الذاكرة .

 استرجعت معها بعض ذكرياتى عن تلك الفترة لم تكن بالعصيبة ولم تكن بالمميزة ولكنها تبفى ذكريات اتمنى لو  تم حذفها من الذاكرة وسقطت  فى غياهب النسيان أو تاهت فى فراغ  سرمدى لانهاية له ، ولكن لن يمنى الإنسان بعدو أشد فتكًا من بعد الزمن سوى بالعقل الباطن  ، لم يكن لدى رفاهية ما يسمى بالمصروف وخاصة لم يكن هناك مواصلات بل كنا نذهب سيرًا على الأقدام ،  لم أحمل زجاجة مياه ولم يكن هناك فى المدرسة مياه من الأساس ، ولم يكن لديك وجبة للغداء  كانت الأمور عشوائية تمامًا وسلسلة لا مبالاة متناهية  ، كنت أسير للمدرسة فى طريق يقع تمامًا فى منتصف المقابر أتذكر تمامًا هذا الطريق حتى بعد مرور عديد السنين وأجزم أنه لو تم وضع عصابة على عينى لاجتزت هذا الطريق وأنا مغمض العينين ، خمس سنوات من الذهاب من نفس الطريق الذى يشبه طريق  آلام المسيح  سأجتازه بدون أية عقبات  رغم اعوجاجه وعدم استقامته  ودفة طرقاته التى  تكون فيها بين الاموات ، والمفارقة أن قبر أبى  كان فى طريقى تمامًا كان لدينا الكثير من المقابر ، لم يتملك الراحلين الكثير من الأراضى للسكن ولكن بكل تأكيد امتلكوا الكثير من المقابر ربما أدفن فى مقبرة  بمفردى لو أردت ،  الأمر يدل على نظرة ثاقبة منهم وفهمهم  لطبيعة الحياة وما تسير عليه الامور فما نقضيه على قيد الحياة هو اليسير والقبر هنا هو المصير ،  كنت أقف بجوار قبر أبى  لم أكن ألقى السلام ولم أبكى هناك ،  كنت أمر بلا مبالاة  غريبة  فى بلادة أحسد عليها ، بعض الأوقات كنت أقف هناك فى صمت أقرا أسماء الراحلين وأرحل فى هدوء ، وأحياناً كنت أفكر ماذا لو فتحنا عليهم باب القبر لننقذهم مما هم فيه ، ولكن كل ما أتذكره  أن بعد كل عام  يكثر عدد الراحلين وترى أسماءًا جديدة كل مرة تذهب فيها من هناك  وأتذكر قبر الصغيرة إسراء مُهمَلة حتى فى قبرها  كان القبر ومازال  يمثل الدرجة الأقصى من الخوف  مجرد النظر إليه هو قمة الرعب إنه يمثل الظلام ولكنى أؤمن تمامًا  باننا نعود إلى الأم  التى  تمثل الأمان وهى الأرض فمن طين خلقنا وإليها نعود  والأم  هى الحب الوحيد غير المشروط ،أعتمد تمامًا أن يكون حضن الأم الأرض آمنًا  من خوف .

علامات المقابر التى أسترجعها ، هل يمكنك أن تتذكر لفحات الحر من شهر أبريل أو مايو الرطوبة الخانقة الجو الذى لا تعرف هل هو بارد أم هو حار فقط هو  خانق  كبيس،  يجعل الحياة تقف  والزمن لا يمر ، وأتذكر الثعالب التى كانت تختبأ هناك بين الاموات  وفى القبورالفارغة  للمنتظرين أدوارهم للرحيل ، و أتذكر المشايخ وهى مقابر بهيئة معينة على طريقة الفراعنة لأصحاب الكرامات والبركات  أتذكر أسماء مشايخ أولاد ناعس  لم  أعرف أصل التسمية  ولا من هو المشايخ  ولا عن كراماتهم  ، أعتقد أنها خرافات أكثر منها حقيقة .

فى داخل عالم المدرسة الموازى  كنت  طفل ضعيف جدا وجبان جدًا أتوجس خيفة من كل شىء ومن أى شىء ، بعض الأماكن التى كت اخاف منها والأشخاص الذى لا احب رؤيتهم بسبب التشوهات التى حدثت  لوجوههم   بسبب حوادث لا دخل لهم بها  كانت عنصرية مبكرة ،ولكنى كنت أخاف من رؤيتهم كيف لى أن أعرف أننى كنت أخاف  منهم  لقد اعتمدت على  الكذب لأساير أمورى ولكن العقل الباطن يقوم بتخزين كل شىء بالنهار لأفصح عنه فى كوابيسى  والهلاوس التى تصيبنى اثناء الليل ،  كنت افصح عن كل ما أخاف منه  أرجوك لا تقتلنى  ، ابعدونى عنه ، مش هروح هناك تانى  كنت أنطق الأسماء والأماكن باالتفصبل هل  لقى الأمر أى  إهتمام  أو محاولة علاج  ؟ بالتاكيد لا  .

أتذكر وجه هذه الطفلة البريئة على نفس درجة دراستى كانت  جميلة رقيقة متناهية الرقة تشع براءة ونقاءًا  كانت أول معرفتى بالجمال يومًا لم أنسى ملامحها  البريئة وجمالها الدقيق وهدوءها  هل هى تتذكرنى ؟ لا أعلم 

أتذكر الكذب كنت طفل كاذب بل أتقن الكذب كأعظم ما يكون أى ممثل حاولت كثيرًا أن أتوصل لماذا كنت أعيش هكذا فى عالم من الكذب المتواصل  فأنا لم أكذب يومًا لأحتال على احد  أو لآخذ ما ليس لدى لقد كانت كذبات سخيفة لا مبرر لها ولكنها تبقى كذبة مهما حدث فالشىء إذا كررته  تعودت عليها وأتقنته ، ولم تتخلص من تبعاته كنت كمن يقول أنا أكذب إذًا  أنا موجود سأذكر بعض ما أتذكرمن كذب قمت به  ولك الحكم على  بما تراه 

مازلنا هنا فى مرحلة الطفولة  والمرحلة الدراسية الاولى  كان هناك  طفل فى نفس الفصل أخاف منه وتأكدت من ذلك عندما نطقت اسمه فى الهلاوس الليلية وكنت أبكى من الخوف منه ، مرض هذا الطفل أخبرنا أحد الأساتذة عليكم بزيارته  تبرع الجميع بما لديه ، خمسة قروش  من هنا عشرة  من هناك  بالتاكيد لم  أدفع أى قرش ببساطة لم  يكن معى أية  قروش يمكن منحها ولم تكن لدى الجرأة لأطلب من أحد ، عمومًا جمعنا المال واشترينا البرتقال لنذهب به إلى المريض  الذى كان فى قرية مجاورة لقريتنا مسافة ليست بالقريبة وطريقها كان موحشًا واشتهرت تلك المنطقة بالآثار الفرعونية  وكانت آثار الحفر وقتها ظاهرة فى مقابر على هيئة مستطيلة مفتوحة بطريقة مخيفة  لاترى منها سوى ظلام ،  هل ترى المفارقة  ما تخاف  منه لن يفارقك  أبدًا ، وصلنا إلى وجهتنا قمنا بعيادة المريض  لم يقدموا لنا شيئًا لنأكله  ولامياه حتى لنشربها ، ربما لأننا كنا صغارًا لم يكن أحد ليضع لنا أى إعتبار  كان  أمرًا مزعجًا  ، عدت إلى البيت  ألم  يقدموا لكم الأكل ؟ ألم يضعوا لكم أى شراب  بطريقة مزعجة تخلصت منها بالكذب أخبرتهم أنهم قدموا ما لذ وطاب وأخذت أصف بطريقة متقنة أنواع  الأكل الذى وضعوه والمشروبات التى قدموها ،والجميع صدقنى بلا استثناء وبقناعة تامة ربما كان قناع الطفولة البرىء هو كلمة السر فى تصديق الجميع للكذب   ، هل هناك فائدة من كذبة مثل ذلك ؟ أعتقد أنه بسبب التهميش أو الرغبة فى الحصول على الإهتمام لا أعلم أكثر من ذلك .

مرة أخرى وكذبة  متقنة ، حقيقة لم أكن  أمتلك  أية أموال ولم  يكن هناك أية مصادر للدخل  ليس من فقر بل لظروف خاصة ربما أكون شجاعًا وأكتب عنها يومًا  ولم يكن هناك أحد ليعطيك المال  ، أتذكر مرة قريب لى بعد تلك المرحلة أعطانى مرة خمسة جنيهات لا توجد كلمات يمكن وصفها لسعادتى ولا أية مشاعر تعبر عن حبى وتقديرى  لهذا الرجل الذى رحل عن هذا العالم البغيض منذ فترة ليست بالقليلة  ، فى المرحلة الاولى  كان يوجد الكثير من الأشياء التى تتمنى شراؤها  ويؤسفنى أن أخبرك أنها بمبالغ زهيدة فقط بضعة قروش  يمكنك أن تحصل عليها ولم تحصل عليها هل يمكنك أن تتخيل أسوأ من ذلك إنها الأحلام التى انهارت قبل بدايتها  ، وزر الخطيئة الاولى ، اللعنة التى حلت  ، والغضب الذى استمر ، ملعونين فى الأرض وفى السماء  ،  أطلقت كذبة  وقتها  فى المنزل معى أموال كثيرة  احتفظ بها فى مكان لا يعلمه  أحد  وسأشترى كل ما أحلم به  ،  لن  أخبركم عن مكان الأموال  ولن  تعرفوا ما ذا  سأشترى ،   وكالعادة صدقنى الجميع  ، والإنتكاسة الكبرى  أن  أمى صدقتنى أيضًا  ، كيف لأم  أن تصدق أن طفل صغير لا يعيره  أحد أى إهتمام  ولا يعطيه أحد أية  أموال حتى هى  يمكنه  أن يحتفظ بالمال ؟ هل ضربت الودع يا أمى أم  قمت بسرقته  ؟!!!، ساهمت هذه الكذبة فى لفت  الإنتباه  واحترام الجميع  وفى شعورى بالثقة  ، تيقنت أننى  كنت وقتها كائن طفيلى يتعايش على الكذب والأوهام  لم يتخلص من وهم الماضى  ولا الآثار السلبية للعقل الباطن .

يقولون عن المسيح أنه ابن الله ، وفى ايران  رجال الدين  يقولون عنهم  آية الله  ، ومن الأسماء المفضلة  للمتدينين   هنا فى مصر  عبد الله ،   عندما أفكر ماذا كنت لأختار لنفسى لعنة من الله  ؟ أم  اختبار لا معنى له  من الله  ؟ كنت أرى نفسى كطفل لقيط  حصيلة نشوة زائفة ولحظة حرام لا تتعدى دقائق  فلا هو تمتع بالنشوة ولا هو اختار الحياة  ، ولا هو حاز على  حب الأب ولا نال رضا الام  ، لم يكتسب الامان  ولم يعرف سوى الخوف ، لم يتدخل الله لإنقاذه  ولم يرحمه المجتمع المزيف .

لا شىء من هنا يمكن إضافته  . انتهى  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق