تجاوز أحمد بن بله إطار الثائر، القائد، الأسير الأعلى قامة والأعظم إرادة من سجانه ، ليستقر في الوجدان العربي بطلاً من أبطال الأمة في تاريخها الحديث ، مقاتلاً في صفوف ثورة المليون شهيد ثم رئيساً أول للجمهورية التي استولدها النصر معيداً إلى شعبها هويته المسلوبة ومعيداً الجزائر إلى موقعها الطبيعي في قلب حركة كفاح هذه الأمة من أجل حقها في الحياة بكرامة.
ومن زمان تجاوز أحمد بن بله ، كبطل تاريخي ، مشاعر الوتر والغضب ومرارة الإحساس بظلم رفاق السلاح الذين خلعوه من منصبه الرسمي فأضافوا إلى مجد بطل التحرير صمود المقاتل الذي لا يفقد إيمانه بالثورة ... حتى و« الإخوة » الذين « أسروه » فسجنوه أكثر مما سجنه المستعمر الاستيطاني ، ذاك الذي افترض أن مئة وخمسين سنة من تزوير هوية البلاد وشعبها تكفي لفرنسة الجزائريين في « فرنسا ما وراء البحار » كما أسماها ليلغيها .
ظل أحمد بن بله على إيمانه بوطنه ، بعروبته التي بكى لأنه لا يتقنها حين انتخب رئيساً، ثم بكى مرة ثانية وهو يحاول أن يرحب بالعربية (المكسرة) بشريك الجزائريين في نصرهم البهي ، جمال عبد الناصر، حين جاء يحتفل مع شعب الجزائر بارتفاع رايتها المظفرة على أرضها حتى حدود السماء .
إنه آخر أبطال النضال العربي المجيد ، أولئك الذين استولدوا الفجر الجديد لهذه الأمة التي « حارب » الاستعمار هويتها وحقها في الحياة .. فمنع الجزائريين من أن يتعلموا لغتهم ومن أن يمارسوا شعائر دينهم ، وصادر منهم أرضهم ، وحاول أن يجعلهم عبيداً فلما انتفضوا ـ مع احتفال « الحلفاء » ـ بعيد النصر على هتلر وألمانيا النازية (1945) طاردهم بالطيران الحربي والمدفعية حتى قتل منهم عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في يوم واحد .
ولقد عاش أحمد بن بله بطلاً وهو يقاتل في صفوف الثوار، ورئيساً يجتهد ـ مع رفاق السلاح ـ في بناء الدولة التي أعادها « الجهاد » إلى الحياة بعد تغيّب استطال دهراً ، رافقه جهد خرافي لمسح الهوية الأصلية أو فرض الفرنسة على شعب عظيم...
وعاش أحمد بن بله بطلاً وشعبه يرفعه إلى سدة الحكم ليكون أول رئيس لبلاده المحررة .
وظل أحمد بن بله بطلاً وبعض رفاق السلاح ممن بهرتهم السلطة يتمردون عليه ، ذات ليل ، ويرمونه في السجن بلا محاكمة ، لمدة استطالت أربعة عشر عاماً ، أي حتى رحيل صديقه الأقرب وذراعه اليمين ، هواري بومدين ، الذي « خلعه » ونصّب نفسه بديلاً بحراب جيش التحرير الذي أقصى « المدنيين!!» وصادر السلطة باسم المجاهدين ... من دون قائدهم إلى النصر!
وظل أحمد بن بله بطلاً في المنفى ، لدى المستعمر السابق ، فرنسا ، قبل أن يستقر لفترة طويلة في سويسرا ، كلاجئ سياسي
لقد عاش أحمد به بله بطلاً سكن ضمير الأمة جميعاً ، وليس ضمير شعبه الجزائري فحسب... ولعل أقسى أيام الحزن عليه كانت يوم أن رحل جمال عبد الناصر وهو سجين ، فلم يستطع له وداعاً .
والعزاء أنه لم يمت منفياً بقرار من قيادة من صادر « النظام » الذي استــولده عسـكر الثورة ، أو سجيناً في وطنه الذي كان من أبطال تحريره .
صنع التاريخ وترك الدنيا
سكن التاريخ باعتباره احد عناوين مجد الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق