إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 20 يناير 2013

الاشتراكية الثورية






ربما لم تحظ كلمة في العقدين الأخيرين بمثل ما حظيت به كلمة "اشتراكية" من سمعة سيئة. الأصدقاء والأعداء على حد سواء تضامنوا من أجل إهالة التراب على أمل نرى أنه وحده القادر على إنقاذ مصر والإنسانية من همجية نظام الأرباح السائد. فبين المدّعين أن تجارب رأسمالية الدولة الشمولية هي الشكل الوحيد الممكن واقعيا للاشتراكية، وبين القائلين أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ وآخر محطاته، تاهت الحقيقة وفقدت الكلمات معناها.

بالنسبة لنا، "الاشتراكية الحقيقية" هي خلاصة الفكر والنضال الإنساني ضد ظلم الرأسمالية واستغلاليتها على مدى قرنين من الزمان. "الاشتراكية" هي خبرة كوميونة باريس (1871) والثورة البلشفية (1917) والثورتين الألمانية والمجرية (1918).. خبرة فرنسا (1968) وإيطاليا (1969) وإيران (1979).. خبرة إندونيسيا (1998) والأرجنتين (2001).. خبرة حركة مناهضة العولمة والحرب وكل الحركات المطالبة بالعدل والحرية في أركان العالم الأربعة - الاشتراكية باختصار هي تلك الرؤية للعالم التي تؤسس نفسها على كفاح الكادحين والمظلومين من أجل الانعتاق، والتي تؤمن حقا بقدرة الجماهير على التغيير الجذري وعلى خلق "عالم أفضل ممكن".

الاشتراكية إذن ليست تلك التجربة التي تمت سرقتها على يد طبقة حاكمة جديدة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي، وليست أيضا وهما زائفا تحركه أخلاقية رومانسية طفولية. الاشتراكية إمكانية حقيقية وواقعية بمقدار ما إن الظلم والهمجية حقيقيان وواقعيان، وبمقدار ما أن غالبية سكان هذا الكوكب، وهذه البلد، ليست لهم مصلحة في استمرار سيطرة حفنة المترفين والمالكين على أدوات السلطة ومصادر الثروة في عالمنا

الاشتراكية 

الاشتراكية تقوم على أسس واضحة. ليس هناك شك أن "شجرة الحياة الخضراء" تعلمنا كل يوم الجديد. ولكن أسسنا المبدئية - أهدافنا وجوهر رؤيتنا - يمكن تلخيصها في عدد من النقاط البسيطة المختصرة:

الرأسمالية تعمل لمصلحة الأقلية المترفة وضد مصلحة الأغلبية الكادحة: ذلك أن النظام الرأسمالي يقوم في جوهره على الاستغلال وعلى نهب فائض القيمة من عموم العمال والكادحين. ثروة الأغنياء الطائلة مصدرها كدح الفقراء وعرقهم وبؤسهم. في عالمنا هذا تتراكم الثروة في جانب والفقر والجوع والمرض في جانب آخر. والليبرالية الجديدة، التي تطبقها مصر بحماس منقطع النظير، هي الشكل الأكثر همجية، في مطلع القرن الحادي والعشرين، للرأسمالية .. هي نتاج أزمة نظام الأرباح، وهي محاولة لتحميل الأزمة للفقراء.

لا يمكن إصلاح الرأسمالية من داخلها: لا زال للأفكار الإصلاحية سوقا واسعة. الكثيرون يتحدثون عن التغيير عن طريق بعض الإصلاحات هنا أو هناك. ولكننا نعلم أن عصر الإصلاحات قد ولّى. كلمة "الإصلاح" نفسها اختطفها غلاة الرأسماليين، فأصبحت على أيديهم تعني همجية السوق وإلغاء الدعم ورفع حماية الدولة. ولذلك، فإن من يدعو للإصلاح هو فقط يجَمل النظام القائم ويعطيه فرصة للبقاء. حتى أبسط الإصلاحات تحتاج إلى ثورة من أجل تحقيقها. في الماضي كانت الرأسمالية الصاعدة تعطي الأرض لمن يفلحها. اليوم هي تنتزع الأرض من الفلاحين لتعطيها لكبار الرأسماليين الاحتكاريين. فقط ثورة جماهيرية من أسفل هي التي من الممكن أن تعيد الأرض لمن يكدحون فيها.. فقط ثورة جماهيرية من أسفل هي التي من الممكن أن تحقق آمال المظلومين.

الثورة الجماهيرية من أسفل ممكنة وضرورية: التغيير لا يمكن أن يحدث على يد أقلية مختارة. التغيير لا يمكن أن يحدث بانقلابات القصور أو الجيوش أو بوصول مستبد عادل للسلطة. التغيير لن يحدث إلا على يد الجماهير. نضال الجماهير الجماعي الديمقراطي من أسفل هو الطريق إلى المستقبل. إذا كانت الرأسمالية تمتلك جهاز الدولة الذي يحتكر أسلحة القمع، فالكادحين يملكون قدرتهم على الكفاح كأغلبية كاسحة لها مصلحتها في القضاء على نظام الاستغلال والقهر. الكادحون يملكون قدرتهم على تسيير آلة الاستغلال الرأسمالي، وقدرتهم بالتالي على إيقافها وعلى الشروع في بناء عالم جديد. الثورة هي ذروة الكفاح الجماهيري من أسفل. الثورة هي صعود الكادحين إلى مقدمة مسرح التاريخ .. هي إمساكهم لمصيرهم بأيديهم .. وهي بداية الطريق إلى مستقبل جديد خالي من القهر والاستغلال.

الطبقة العاملة هي الطبقة القائدة للنضال الثوري: لا شك أن الثورة ستكون عيدا لكل الفقراء. لكن من بين كل المقهورين في عالمنا المعاصر توجد طبقة واحدة لديها القدرة على قيادة معسكر المظلومين إلى النصر - الطبقة العاملة. والطبقة العاملة كما نفهمها ليست فقط عمال المصانع، وإنما هي كل العاملين بأجر والخاضعين لسيطرة وسلطة رأس المال، سواء كان عملهم في مصنع أو في أي مؤسسة إنتاجية أو خدمية أخرى. تلك الطبقة، بحجمها الهائل في عالمنا المعاصر، وبتنظيمها وحداثتها ومصالحها، قادرة على دخول المعركة إلى النهاية، وقادرة على شل حركية الرأسمالية ومصدر أرباحها، ومن ثم هي قادرة على تحقيق النصر لمعسكر المقهورين. فأغلال الرأسمالية لابد أن تحطم حيث توجد: في نظام استغلال العمل المأجور.

دولة العمال والكادحين هي الهدف المبتغى: لن تكلل الثورة بالنصر إذا ما أزيح حاكم رأسمالي وحل محله حاكم رأسمالي آخر. الانتصار له معنى واحد فقط: نهاية كل أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد. ومن ثم فإن هدف الثورة ينبغي أن يكون تحطيم جهاز الدولة الرأسمالي وإحلاله بديمقراطية عمالية يكون مثلها هو كل تجارب ثورات القرن العشرين وأهمها الثورة البلشفية 1917. دولة العمال هي دولة الديمقراطية المباشرة حيث يشارك الكادحون، من خلال مجالسهم العمالية المنتخبة في كل موقع ومكان، في تقرير مصيرهم وفي إدارة المجتمع بموارده وثرواته.

لابد للثورة أن تحرر كل المضطهدين والمقهورين: الثورة ليست عملا جزئيا. الثورة ليست مهمة محدودة. الثورة هي تحرير شامل وكلي. النضال العمالي الظافر لابد أن يتبنى مصالح كل المقهورين. كل أدوات تقسيم الطبقة العاملة بين رجال نساء، سود وبيض، مسلمين ومسيحيين، لابد من مواجهتها بكل الحزم. والطريق الوحيد لذلك هو نضال الحركة الثورية من أجل تحرر المرأة والسود والمسيحيين والأمم المضطهدة من كل صنوف الظلم والقهر والهيمنة. الاشتراكي الحق هو خادم لكل المضطهدين. والاشتراكية الحقة هي التي تحرر كل المظلومين.

لا توجد اشتراكية في بلد واحد: النظام الرأسمالي سلسلة واحدة منتظمة في سوق عالمي واحد. بالقطع يمكن كسر السلسلة عند إحدى حلقاتها. ولكن المهمة لن تتم إلا بتحطيم السلسلة كلها. ولذلك فالثورة العالمية ليست ترفا أو عملا إضافيا. الثورة العالمية هي صميم الاستراتيجية الثورية الظافرة. انتشار الثورة، وأساس إمكانيته هو وحدة العالم ووحدة أزمته، لابد أن يكون هدفا أصيلا لأي نضال ثوري محلي. والأممية الثورية هي الرد المنطقي الوحيد على مخططات مجالس إدارات العالم في قمة الثمانية وفي منظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الرأسمالية العالمية.

الحزب العمالي المناضل ضرورة للتغيير: الثورة ليست نزهة. الطبقة الحاكمة موحدة ومنظمة. جهاز الدولة يمثل عقلا وجهازا إداريا رفيع المستوى يقوم من خلاله الحكام بإدارة شئونهم. ومن ثم فإن الجماهير الكادحة تحتاج إلى عقل وإلى ذاكرة وإلى جهاز تنظيمي مغروس في داخلها يقود حركتها ويقف ضد تفاوتات وعيها وتذبذب حركتها. الحزب العمالي المناضل والمتفهم لخبرة التاريخ ولخبرة طبقته يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. هذا الحزب لا يسقط من السماء. هذا الحزب يبني بالكفاح والصبر والعمل. وبناؤه لابد أن يكون هدف كل مناضل من أجل العدل والحرية .. من أجل الاشتراكية.

 المعركة ليست سهلة ولكنها اليوم ممكنة: لا شك أن عالمنا المعاصر يحمل فرصا كبيرة للمناضلين من أجل العدل والحرية. نحن نعيش عصر الاستقطاب في أعلى صوره. فالليبرالية الجديدة بدأت تفصح عن وجهها القبيح. وإمبريالية ما بعد الحرب الباردة كشفت عن أنيابها. كل أوهام مطلع التسعينات بدأت تتبدد: السلام الإمبريالي ذهب أدراج الرياح، والاستقرار الرأسمالي فقد معناه، والنمور بدأت تعاني الأزمات، وفورة النفط تخبو. من جانب آخر، نرى اليوم الصعود المدوي لحركات مناهضة للعولمة الرأسمالية والحرب في تضافر مثير للتأمل مع صعود حركات التحرر الوطني الباسلة. الشرق الأوسط ساحة ليس فقط لليبرالية الجديدة والرأسمالية الجديدة بكل همجيتها، ولكن أيضا لتعزيز هيمنة الإمبريالية الأمريكية عالميا. هذا الجزء من العالم يغلي وينتظر التغيير على أحر من الجمر. فقط من لا يمكنه أن يرى سينكر أن المنطقة مقبلة على زلازل. النضال الجماهيري من أسفل، والاشتراكية كبديل، لابد أن يحفرا لنفسيهما طريقا ومجرى. هذا أمر ممكن. وهو أيضا ضروري. وشرطه الانخراط في كل معركة ورفع راية التحرر في كل ساحة ومجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق